Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
ESPOIR
4 novembre 2008

صور من حياة نساء أهل الجنة -عائشة بنت أبي بكر الصديق

لما سأل عمرو بن العاص رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الناس إليه قال: "عائشة" [متفق عليه].

وعندما جاءت أم المؤمنين أم سلمة -رضي اللَّه عنها- إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتشتكى من أمر يتعلق بعائشة، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم "يا أم سلمة لا تؤذينى في عائشة؛ فإنه -واللَّه- ما نزل على الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها" [متفق عليه].

وُلدت السيدة عائشة أم المؤمنين - رضي اللَّه عنها - قبل الهجرة بحوالي ثماني سنوات، في بيت عامر بالإيمان، ممتلئ بنور القرآن، فأبوها الصديق أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وثاني اثنين إذ هما في الغار، وأول من آمن من الرجال، وأول خليفة للمسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وأمها السيدة أم رومان بنت عامر، من أشرف بيوت قريش وأعرقها في المكانة.

وقد شاركت السيدة عائشة -رضي اللَّه عنها- منذ صباها في نصرة الإسلام، فكانت تساعد أختها الكبيرة أسماء في تجهيز الطعام للنبي  صلى الله عليه وسلم  وأبيها وهما في الغار عند الهجرة.

وبعد أن استقر مقام المسلمين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل أبو بكر الصديق إلى ابنه عبد اللَّه يطلب منه أن يهاجر بأهل بيته: عائشة، وأسماء، وأم رومان، فاستجاب عبد اللَّه بن أبى بكر ومضى بهم مهاجرًا، وفى الطريق هاج بعير عائشة فصاحت أم رومان: وابنتاه وا عروساه. ولكن اللَّه لطف، وأسرع الجميع إلى البعير ليسكن، وكان في ركب الهجرة السيدة فاطمة الزهراء والسيدة أم كلثوم بنتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة، ونزلت السيدة عائشة مع أهلها في دار بني الحارث بن الخزرج، ونزل آل النبي صلى الله عليه وسلم في منزل حارثة بن النعمان.

وبدأتْ مرحلة جديدة في حياة أم المؤمنين عائشة - رضي اللَّه عنها - فقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهى بنت ست سنين، وبنى بها وهى بنت تسع سنين. [البخاري].

وكان بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي دخلت فيه أم المؤمنين عائشة -رضي اللَّه عنها- حجرة واحدة من الطوب اللَّبِن - النَّيِّئ - والطين ، ملحق بها حجرة من جريد مستورة بالطين، وكان باب حجرة السيدة عائشة مواجهًا للشام، وكان بمصراع واحد من خشب، سقفه منخفض وأثاثه بسيط: سرير من خشبات مشدودة بحبال من ليف عليه وسادة من جلد حَشْوُها ليف، وقربة للماء، وآنية من فخارٍ للطعام والوضوء.

وفى زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة -رضي اللَّه عنها- تقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "أُرِيتُك في المنام مرتين: أرى أنك في سَرقة (قطعة) من حرير، ويقول: هذه امرأتك. فأكشف فإذا هي أنتِ، فأقول: إن يك هذا من عند اللَّه يُمضِه" [البخاري ومسلم وأحمد]. وانتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يخطب عائشة حتى جاءته خولة زوج صاحبه عثمان بن مظعون ترشحها له.

أحبت السيدة عائشة النبي حبَّا كبيرًا، ومن فرط هذا الحب كانت فطرتها - مثل النساء - تغلبها فتغار.

ومرت الأيام بالسيدة عائشة هادئة مستقرة حتى جاءت غزوة بني المصطلق، فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه (أي أجرى القرعة بينهن لتخرج معه واحدة في السفر) وكان من عادته ( أن يفعل ذلك مع أزواجه إذا خرج لأمر، فخرج سهمها فخرجت معه (، حتى إذا فرغ النبي من غزوته، وعاد المسلمون منتصرين، استراح المسلمون لبعض الوقت في الطريق، فغادرت السيدة عائشة هودجها، فانسلّ عِقدها من جيدها (عنقها)، فأخذت تبحث عنه.. ولما عادت كانت القافلة قد رحلت دون أن يشعر الرَّكْبُ بتخلفها عنه، وظلَّت السيدة عائشة وحيدة في ذلك الطريق المقفر الخالي حتى وجدها أحد المسلمين - وهو الصحابي الجليل صفوان بن المعطل - رضي اللَّه عنه - فركبت بعيره، وسار بها، واللَّه ما كلمها ولاكلمته، حتى ألحقها برسول الله صلى الله عليه وسلم  ، إلا أن أعداء اللَّه تلقفوا الخبر ونسجوا حوله الخزعبلات التي تداعت إلى أُذن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأثرت في نفسه، ونزلت كالصاعقة عليه وعلى أبيها"أبى بكر" وأمها "أم رومان" وجميع المسلمين، لكن اللَّه أنزل براءتها من فوق سبع سماوات فنزل في أمرها إحدى عشرة آية؛ لأنه يعلم براءتها وتقواها، فقال تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 11].

وتقول السيدة عائشة لما علمت بحديث الإفك: وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي وقد بكيت ليلتي ويومًا، حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكى استأذنتْ امرأة من الأنصار، فأذنتُ لها، فجلست تبكى معي، فبينما نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، فجلس - ولم يجلس عندي من يوم قيل في ما قيل قبلها- وقد مكث شهرًا لا يُوحى إليه في شأني شيء، فتشهَّد، ثم قال: "يا عائشة، فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك اللَّه، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري اللَّه وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب اللَّه عليه". فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قَلَص دمعي حتى ما أُحِس منه قطرة، وقلتُ لأبي: أجب عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال. قال: واللَّه لا أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم  . فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال. قالت: ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن. إني واللَّه لقد علمت أنكم سمعتم ما يُحَدِّثُ به الناس، ووقر في أنفسكم وصدقتم به، وإن قلتُ لكم إني بريئة - واللَّه يعلم أنى بريئة - لا تصدقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر - واللَّه يعلم أنى بريئة - لتصدقني، واللَّه ما أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبى يوسف:( فّصّبًرِ جّمٌيلِ والله المسًتّعّانٍ على مّا تصفون) [يوسف:18]. ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله، ولكن واللَّه ما ظننتُ أن يُنزِل في شأني وحيًا، ولأنا أحقر في نفسي من أن يُتكلم بالقرآن في أمري، ولكنى كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا تبرئني، فواللَّه ما رام مجلسه، ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أُنزل عليه الوحي ... فلما سُرِّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو يضحك (أي انكشف عنه الوحي ثم ابتسم)، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: "يا عائشة، احمدي الله، فقد برأك اللَّه". فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :، فقلت: لا واللَّه لا أقوم إليه ولا أحمد إلا اللَّه، فأنزل اللَّه تعالي: إن الذين جاءوا بالإفك. [البخاري].

وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصالحها فقال لها ذات يوم : "إني لأعلم إذا كنت عنى راضية، وإذا كنتِ على غَضْبَي". فقالت رضي اللَّه عنها: من أين تعرف ذلك؟ فقال : "أما إذا كنت عنى راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنتِ غضبى قلت: لا ورب إبراهيم". فأجابت: أجل، واللَّه يا رسول اللَّه، ما أهجر إلا اسمك. [البخاري].

تلك هي المؤمنة ،لا يخرجها غضبها عن وقارها وأدبها، فلا تخرج منها كلمة نابية، أو لفظة سيئة.

ولما اجتمعت نساء النبي صلى الله عليه وسلم  ومعهن السيدة عائشة لطلب الزيادة في النفقة منه رغم علمهن بحاله، قاطعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وعشرين يومًا حتى أنزل اللَّه تعالى قوله الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا.وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 28-29]. فقام النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه فبدأ بعائشة فقال: "يا عائشة إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك".

قالت: وقد علم أن أبواي لم يكونا ليأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: "إن اللَّه تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ)[الأحزاب: 82]. حتى بلغ: (لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 29]. فقلت: في هذا أستأمر أبوي؟ فإني أُريد اللَّه ورسوله والدار الآخرة. وكذا فعل أزواج النبي جميعًا.

وعاشت السيدة عائشة مع رسول اللَّه حياة إيمانية يملأ كيانها نور التوحيد وسكينة الإيمان، وقد حازت -رضي اللَّه عنها- علمًا غزيرًا صافيًا من نبع النبوة الذي لا ينضب، جعلها من كبار المحدثين والفقهاء، فرُوى عنها من صحيح الحديث أكثر من ألفين ومائة حديث، فكانت بحرًا زاخرًا في الدين، وخزانة حكمة وتشريع، وكانت مدرسة قائمة بذاتها، حيثما سارت يسير في ركابها العلم والفضل والتقي، فقد ورد عن أبى موسى -رضي اللَّه عنه- قال: ما أُشْكِلَ علينا -أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  - حديث قط، فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا.

وكان للسيدة عائشة -رضي الله عنها- علم بالشعر والطب، بالإضافة إلى علمها بالفقه وشرائع الدين.

وكان عروة بن الزبير -رضي الله عنه- يقول: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشِعْر من عائشة -رضي الله عنها-.

ومن جميل ما أسدته السيدة عائشة للمسلمين أنها كانت سببًا في نزول آية التيمم، يروى عنها أنها قالت: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بِتُرْبان (بلد يبعد عن المدينة عدة أميال وهو بلد لا ماء به) وذلك وقت السحر، انسلت قلادة من عنقي فوقعت، فحبس على رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي أمر بالبقاء لالتماسها في الضوء) حتى طلع الفجر، وليس مع القوم ماء، فلقيت من أبى ما اللَّه به عليم من التعنيف والتأفُّف، وقال: في كل سفر للمسلمين يلقون منك عناء وبلاء، فأنزل اللَّه الرخصة في التيمم، فتيمم القوم وصلوا، قالت: يقول أبى حين جاء من اللَّه الرخصة للمسلمين: واللَّه ما علمت يا بنية إنك لمباركة !! ما جعل اللَّه للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر!! وفى رواية قال لها أُسيد بن حضير: جزاك اللَّه خيرًا، فواللَّه ما نزل بك أمر تكرهينه قط إلا جعل اللَّه لك منه مخرجًا، وجعل للمسلمين فيه بركة.

لم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرًا غيرها، فلقد تزوجها بعد أم المؤمنين خديجة وأم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي اللَّه عنهن جميعًا-؛ رغبة منه في زيادة أواصر المحبة والصداقة بينه وبين الصدِّيق -رضي اللَّه عنه-. وكانت منزلتها عنده ( كبيرة، وفاضت روحه الكريمة في حجرها. وعاشت -رضي اللَّه عنها- حتى شهدت الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان بن عفان - رضي اللَّه عنه - وحضرت معركة الجمل، وكانت قد خرجت للإصلاح.

واشتهرت - رضي اللَّه عنها - بحيائها وورعها، فقد قالت: كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى - رضي اللَّه عنه - واضعة ثوبي وأقول إنما هو زوجي وهو أبي، فلما دُفِن عمر - رضي اللَّه عنه - (معهما) واللَّه ما دخلته إلا مشدودة على ثيابي حياءً من عمر - رضي اللَّه عنه-.

وكانت من فرط حيائها تحتجب من الحسن والحسين، في حين أن دخولهما على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حل لهما.

وكانت -رضي الله عنها- كريمة؛ فيُروى أن "أم درة" كانت تزورها، فقالت: بُعث إلى السيدة عائشة بمال في وعاءين كبيرين من الخيش: ثمانين أو مائة ألف، فَدَعت بطبق وهى يومئذ صائمة، فجلست تقسم بين الناس، فأمست وما عندها من ذلك المال درهم، فلما أمست قالت: يا جارية هلُمى إفطاري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم درة: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشترى لنا لحمًا بدرهم فنفطر به. فقالت: لا تُعنِّفيني، لو كنتِ ذكَّرتيني لفعلت.

ومن أقوالها :

* لا تطلبوا ما عند اللَّه من عند غير اللَّه بما يسخط اللَّه.

* كل شرف دونه لؤم، فاللؤم أولى به، وكل لؤم دونه شرف فالشرف أولى به.

* إن للَّه خلقًا قلوبهم كقلوب الطير، كلما خفقت الريح؛ خفقت معها، فَأفٍّ للجبناء، فأفٍّ للجبناء.

* أفضل النساء التي لا تعرف عيب المقال، ولا تهتدي لمكر الرجال، فارغة القلب إلا من الزينة لبعلها، والإبقاء في الصيانة على أهلها.

* التمسوا الرزق في خبايا الأرض.

* رأت رجًلا متماوتًا فقالت: ماهذا؟ فقيل لها: زاهد. قالت: كان عمر بن الخطاب زاهدًا ولكنه كان إذا قال أسمع،وإذا مشى أسرع،وإذا ضرب في ذات اللَّه أوجع.

* علِّموا أولادكم الشعر تعذُب ألسنتهم.

هذه هي السيدة عائشة بنت الصديق -رضي اللَّه عنها- حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، والتي بلغت منزلتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغًا عظيمًا، فقد رضي الله عنها لرضا رسوله صلى الله عليه وسلم عنها، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا: "يا عائشة! هذا جبريل يقرئك السلام". فقلتُ: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته" [متفق عليه].

وفى ليلة الثلاثاء 17 من رمضان في السنة 57 من الهجرة توفيت أم المؤمنين السيدة عائشة وهى في سن السادسة والستين من عمرها، ودفنت في البقيع، وسارت خلفها الجموع باكية عليها في ليلة مظلمة حزينة، فرضي اللَّه عنها وأرضاها.

Publicité
Commentaires
Publicité
Publicité