الهجرة السرية وباب الحرية

"أيها الناس أين المفر؟العدو أمامكم والبحر من ورائكم.."من منا لا يعرف هذه المقولة الشهيرة التي سطرها بن زياد على صفحات تاريخ العرب, ونقشتها في ذاكرتنا تلك الدروس والمحاضرات التي أخذتها مسامعنا عن أساتذتنا وشيوخنا, لكن ونحن نقرأ هذه العبارة لابد أن نكتشف أن بينها وبين الحاضر رباط ومواثيق وعهود, فهي وإن كانت قولة خاصة بزمن طارق, إلا أنها توحي بنداء خفي هو من قبيل اللفظ العام, قد لا يعرفه إلا القلة من الناس’ أو بعبارة الفلاسفة"إلا الخاصة"وهم الشباب, انه نداء للهجرة السرية أو ما يصطلح عليها ب"الحريك".نعم تنطبق أسباب قولة طارق بن زياد على هؤلاء الشباب, فقد أحرقت سفنهم وأوراقهم بمجرد تخرجهم من دار التعليم إلى دار التهديم-على اعتبار أن أغلب"الحراكة" هم من الطبقة المثقفة- وطاردهم العدو المتمثل في الفقر والبطالة واليأس والظلم وغيرها من الأعداء التي دخلت مجتمعنا واقتحمت بيوتنا بدون تأشيرة وبدون استعمار, فلم يبق لهم إلا أن يختاروا الموت الطفيف, وإما ركوب البحر-وان لم تكن لديهم دراية بفن السباحة-على قوارب الموت أو عجلات حافلة ظاهرها الحياة وباطنها الموت بأبشع صورة, وهذا الاختيار الثاني هو الذي سار على دربه"الحراكة" بعدما نفذ صبرهم وأقفلت في وجههم جميع الأبواب, فكان من الطبيعي أن يرفعوا راية الهجرة السرية مرددين بعض أبيات الشافعي رحمه الله:

سأضرب في طول البلاد وعرضها

أنال مرادي أو أموت غريبا

فان تلفت نفس فلله درها

وان سلمت كان الرجوع قريبا

إننا لن نستطيع أن نحكم على هؤلاء الشباب-الحراكة- بأنهم أساؤوا أو أحسنوا الاختيار ما لم نأخذ مكانهم ونعرف دوافعهم, وهذا-للأسف- ما لا يريد أن يستوعبه العديد من الناس-حتى و إن كانوا مثقفين-الذين جعلوا من ظاهرة الهجرة السرية تربة خصبة للتسلية أحيانا وورقة رابحة يتشدقون بها في بعض محافل حقوق الإنسان أحيانا أخرى.

مهما قلنا عن الهجرة السرية أو "الحريك" لبلاد ما وراء البحر فان هذه الظاهرة ستظل نهرا متدفقا يغرق العديد من الشباب بل الأطفال والنساء أيضا ما لم نحاول أن نبني سدودا لا علاقة لها بالأمن وبدون مساعدة قوات الغرب, ولكن لها علاقة بوسائل ري هذا المجتمع, بما يحل مشاكله ويستأصل فيروس أعدائه.

جريدة المستقل 03/02/2000